"بين الميتافيزيقا والشعــر "


ليس اقسي حد علي نفوس الفلاسفه من أن يُقال عنهم شعراء ضلّوا سبيلهم او مسيقيون عدموا كل موهبه موهبه موسيقيه ! وليس أبغض الي قلوب الشعراء من أن يُقال عنهم إنهم فلاسفه صاغوا مذاهبهم بطريقه لاشعوريه او ميتافيزيقيون اعوزتهم الصياغه العقليه.  والواقع ان الفيلسوف حريص دائمآ علي ان يقاس مذهبه بمقياس الحق لا الجمال في حين ان الشاعر يتطلب منا دائمآ أن نحكم علي شعره بمعايير. الحُسن والقُبح لا بعايير الصدق والكذب.  فليس بدعآ ان يستاء كلٌ منهما لهذا الخلط البغيض بين الميتافيزيقيا والشعر.  حقآ ان في الميتافيزيقيا خيالآ شعريآ ضمنيآ كما في الشعر تفكيرآ ميتافيزيقيآ ضمنيآ ولكن الخيال الميتافيزيقي لابد من أن يلبس قناعآ عقليآ تصوريآ كما ان الفكرة الشعريه لابد من ان ترتدي ثوبآ حسيآ عاطفيآ فليس في وسع الفيلسوف أن يقيم مذهبآ ميتافيزيقيآ متكاملآ علي دعامه من الإحساس والخيال والعاطفه. كما ان ليس في وسع الشاعر ان يقدم لنا. ملحمه. شعريه تستندإلي براعه عقليه صرفه في الربط بين الافكار والمفاهيم!  ومهما كان من امر الجمال الفني الذي ينطوي عليه المذهب الميتافيزيقي فإن العمل الفلسفي هواولآ وقبل كل شئ إنتاج عقلي يقوم علي الفهم والتركيب والتأويل ومهما كان من أمر الحقيقه العقليه التي قد تكشف عنها القصيده أو الملحمه. فإن العمل الشعري هو أولآ وقبل كل شئ إنتاج فني يقوم علي الإحساس والإنفعال والتأثير.

وهنا قد يعترض البعض بين الفلسفه والشعر بحجة أنه ليس في الشعر أي موضوع للتفكير أو التعقُّل أو التصور الذهني. بأي وجهآ من الوجوه. واصحاب هذا الرأي يبادرون فيسردون علينا قصة المصور الفرنسي "دوجا"الذي مضي يومآ يشكوا الي الشاعر "مالارميه" حاملآ بين أنامله قصيده كتبها بين جُهدٍ جهيد وهو يقول "لقد عانيت الأمرين ومع ذلك فقد كان لدي الكثير من الأفكار " فما كان من الشاعر الفرنسي الكبير سوي أن أجابه بقوله "حسنآ يا دوجا ولكن القصيده لا تصنع من افكار وإنما تصنع من الألفاظ " بين ان دعاة هذا الرأي يتناسون ان اللغه الشعريه لابد من ان تقول شيئآ وان سحر الشعر انما يكمن بالتحديدفي أنه ينتزع من الألفاظ طباعها اللغوي. لكي يسبغ عليها طباعآ تعبيريآ جديدآ. فلا يكون اللفظ سوي مجرد واسطه تنتقل عبرها الفكره لكي تستحيل الي تعبير ........

تعليقات